فصل: باب الحد في الخمر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب جامع القطع

1554- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان رجلا من اهل اليمن اقطع اليد والرجل قدم فنزل على ابي بكر الصديق فشكا إليه ان عامل اليمن قد ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول ابو بكر وابيك ما ليلك بليل سارق ثم انهم فقدوا عقدا لاسماء بنت عميس امراة ابي بكر الصديق فجعل الرجل يطوف معهم ويقول اللهم عليك بمن بيت اهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم ان الاقطع جاءه به فاعترف به الاقطع او شهد عليه به فامر به ابو بكر الصديق فقطعت يده اليسرى وقال ابو بكر والله لدعاؤه على نفسه اشد عندي عليه من سرقته قال ابو عمر اختلف في هذا الحديث فروي ان هذا الاقطع لم يكن مقطوع اليد والرجل وانما كان مقطوع اليد اليمنى فقط ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم وغيره قال انما قطع ابو بكر رجل الاقطع وكان مقطوع اليد اليمنى فقط قال الزهري ولم يبلغنا في السنة الا قطع اليد والرجل لا يزاد على ذلك قال واخبرنا معمر عن ايوب عن نافع عن بن عمر قال انما قطع ابو بكر رجل الذي قطعه يعلى بن امية كان مقطوع اليد قبل ذلك قال ابو عمر هؤلاء نفوا وعبد الرحمن بن القاسم زاد واثبت والله اعلم وقد رواه الثوري كما رواه مالك ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد ان سارقا مقطوع اليد والرجل سرق حليا لاسماء فقطعه ابو بكر الثالثة قال حسبته قال يده ورواه وكيع عن سفيان فخالف عبد الرزاق في لفظه وذكر ابو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان ابا بكر اراد ان يقطع الرجل بعد اليد والرجل فقال له عمر السنة اليد وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رجل اسود ياتي ابا بكر فيدنيه ويقرئه القران حتى بعث ساعيا او قال سرية فقال ارسلني معه فقال بل تمكث عندنا فابى فارسله معه واستوصى به خيرا فلم يغب معه الا قليلا حتى جاء قد قطعت يده فلما راه ابو بكر فاضت عيناه فقال ما شانك قال ما زدت على انه كان يوليني شيئا من عمله فخنته فريضة واحدة فقطع يدي فقال ابو بكر تجدون الذي قطع يد هذا يخون عشرين فريضة والله لئن كنت صادقا لاقيدنك منه قال ثم ادناه ولم يحول منزلته التي كانت له منه قال فكان الرجل يقوم الليل فيقرا فاذا سمع ابو بكر صوته قال تالله لرجل قطع هذا لقد اجترا على الله عز وجل قال فلم يغب الا قليلا حتى فقد ال ابي بكر حليا لهم ومتاعا فقال ابو بكر طرق الحي الليلة فقام الاقطع فاستقبل القبلة ورفع يده الصحيحة والاخرى التي قطعت فقال اللهم اظهر على من سرقهم او نحو هذا وكان معمر ربما قال اللهم اظهر على من سرق اهل هذا البيت الصالح قال فما انتصف النهار حتى عثروا على المتاع عنده فقال ابو بكر ويلك انك لقليل العلم بالله عز وجل فامر به فقطعت رجله وفي هذا الخبر وخبر الزهري ايضا عن سالم وخبر ايوب عن نافع عن بن عمر ان ذلك الاقطع لم تكن رجله مقطوعة وانما كان مقطوع اليد اليمنى فقطع ابو بكر رجله - يعني - اليسرى وهذا خلاف ما رواه عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه في هذا الخبر وقد روي فيه ما يوافقه ذكر عبد الرزاق قال اخبرني بن جريج قال اخبرني غير واحد من اهل المدينة منهم إسماعيل بن محمد بن سعد بن ابي وقاص ان يعلى بن امية قطع يد سارق ورجله لانه سرق في الثانية فقطع ابو بكر يده للثالثة ثم ذكر نحو حديث الزهري قال فكان ابو بكر يقول لجراته على الله عز وجل اغيظ عندي من سرقته قال بن جريج واخبرني عبد الله بن ابي بكر ان اسمه جبر او جبير قال ابو عمر اختلف العلماء من السلف والخلف فيما يقطع من السارق اذا قطعت يده اليمنى بسرقة يسرقها ثم عاد فسرق اخرى بعد اجماعهم ان اليد اليمنى هي التي تقطع منه اولا فقال مالك والشافعي واصحابهما اذا قطع في السرقة ثم سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ثم ان سرق ثالثة قطعت يده اليسرى ثم ان سرق رابعة قطعت رجله اليمنى وتحسم كل واحدة بالنار ساعة القطع خوف التلف والقطع عندهم من المفصل وبه قال قتادة واليه ذهب ابو ثور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعن ابي بكر فيه ما قد ذكرنا وقال بذلك جماعة من السلف والتابعين وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني بن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عباس قال رايت عمر بن الخطاب قطع يد رجل بعد يده ورجله والحجة لما ذهب إليه مالك والشافعي ومن قال بقولهما انه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من مراسيل الثقات منها ما رواه بن جريج عن عبد ربه بن امية بن الحارث انه اخبره عن الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة انه حدثه عبد الرحمن بن سابط ان النبي صلى الله عليه وسلم اتي بعبد قد سرق فقطع يده ثم الثانية فقطع رجله ثم اتي به في الثالثة قطع يده ثم اتي به فقطع رجله قال سفيان الثوري وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا وجب على السارق القطع قطعت يده اليمنى من المفصل ثم ان سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ولا يقطع منه شيء بعد ذلك وانما عليه الغرم وهو قول الزهري وحماد والشعبي وابراهيم النخعي واليه ذهب احمد قال ابو عمر روي هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعده من العلماء الخالفين وذكر عبد الرزاق عن اسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائد الاودي عن عمر انه اتي برجل قد سرق يقال له سدوم فقطعه ثم اتي به الثانية فقطعه ثم اتي الثالثة فاراد ان يقطعه فقال له علي رضي الله عنه لا تفعل فانما عليه يد ورجل ولكن احبسه وذكر ابو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن ابي الضحى وعن مغيرة عن الشعبي قالا كان علي رضي الله عنه يقول اذا سرق السارق مرارا قطعت يده ورجله ثم ان عاد استودعته السجن قال‏.‏

وحدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن ابيه قال كان علي لا يزيد على ان يقطع للسارق يدا ورجلا فاذا اوتي به بعد ذلك قال اني لاستحي ان لا يتطهر لصلاته ولكن امسكوا كلبه عن المسلمين وانفقوا عليه من بيت المال قال‏.‏

وحدثني عيسى بن يونس عن الاوزاعي عن الزهري قال انتهى ابو بكر في قطع السارق إلى اليد والرجل قال‏.‏

وحدثني ابو اسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول ان عمر قال اذا سرق فاقطعوا يده ثم ان عاد فاقطعوا رجله ولا تقطعوا يده الاخرى وذروه ياكل بها الطعام ويستنجي بها من الغائط ولكن احبسوه عن المسلمين قال‏.‏

وحدثني ابو خالد عن الحجاج عن عمرو عن مرة عن عبد الله بن سلمة قال كان علي يقول في السارق اذا سرق قطعت يده فان عاد قطعت رجله فان عاد استودعته السجن قال واخبرنا ابو خالد عن الحجاج عن عمرو بن دينار ان نجدة الخارجي كتب إلى بن عباس يساله عن السارق فكتب إليه بمثل قول علي قال‏.‏

وحدثني ابو خالد عن حجاج عن سماك عن بعض اصحابه ان عمر استشارهم في سارق فاجمعوا على مثل قول علي رضي الله عنه قال ابو عمر حصل اتفاق جمهور السلف والخلف على جواز قطع الرجل بعد اليد من قال بقول الحجازيين ومن قال بقول العراقيين وهم عامة العلماء قالوا بذلك وهم يقرؤون ‏(‏ والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما‏)‏ ‏[‏المائدة 38‏]‏‏.‏

وهذه مسالة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين او مسحهما ويشبه الجزاء في الصيد في الخطا وهم يقرؤون ‏(‏ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

والجمهور لا يجوز عليه تحريف الكتاب ولا الخطا في تاويله وانما قالوا ذلك بالسنة المسنونة لهم والامر المتبع ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عيسى بن يونس عن الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير قال كتب نجدة إلى عمر يساله عن قطع النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بعد اليد فكتب إليه ان النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع الرجل بعد اليد وقال بعض التابعين منهم عطاء وغيره والخوارج وطوائف من اهل الكلام وبعض اصحاب داود لا يجوز ان يقطع من السارق الا الايدي دون الارجل لان الله عز وجل يقول ‏(‏والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما‏)‏ ‏[‏المائدة 38‏]‏‏.‏

وذكر بن جريج قال قلت لعطاء اذا سرق الثانية قال ما ارى ان يقطع في السرقة الا الايدي قال الله عز وجل ‏(‏فاقطعوا ايديهما‏)‏ ‏[‏المائدة 38‏]‏‏.‏

ولو شاء امر بالرجلين وما كان ربك نسيا قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قطع الايدي والايدي من السراق كالمحاربين - من خلاف اخبرنا محمد بن عبد الله قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني إسحاق بن ابي حسان قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني يحيى بن سعيد‏.‏

وحدثني سعيد بن يعلى قال‏.‏

وحدثني هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال اتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده ثم اتي به بعد قد سرق فقطع رجله ثم اتي به بعد قد سرق فقطع يده ثم اتي به بعد قد سرق فقطع رجله ثم اتي به بعد قد سرق فقتله وقد رواه مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر مثله بمعناه وذكره النسائي وابو داود كلاهما عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل عن جده عن مصعب بن ثابت قال النسائي مصعب بن ثابت ليس بالقوي وان كان يحيى القطان قد روى عنه قال وهذا الحديث ليس بصحيح قال ولا اعلم في هذا الباب حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث مصعب بن ثابت قتل السارق بالحجارة في الخامسة ولا اعلم احدا من اهل العلم قال به الا ما ذكره ابو مصعب صاحب مالك في مختصره عن اهل المدينة مالك وغيره قال من سرق ممن بلغ الحلم من الرجال والمحيض من النساء سرقة فخرج بها من حرزها وبلغت ربع دينار او ثلاثة دراهم قطعت يده اليمنى ثم حسمت بالنار ثم خلي سبيله فان سرق ثانية قطعت رجلة اليسرى ثم ان سرق الثالثة قطعت يده اليسرى فان سرق الرابعة قطعت رجلة اليمنى فان سرق الخامسة قتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان وعمر بن عبد العزيز قال وكان مالك بن انس يقول لا يقتل قال ابو عمر حديث القتل لا اصل له وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ان لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد ايمان او زنى بعد احصان او قتل نفس بغير نفس ولم يذكر فيها السارق وقال صلى الله عليه وسلم في السرقة ‏(‏فاحشة وفيها عقوبة‏)‏ ولم يذكر قتلا وعلى هذا جمهور اهل العلم في الافاق على المسلمين والحمد لله رب العالمين قال مالك الامر عندنا في الذي يسرق مرارا ثم يستعدى عليه انه ليس عليه الا ان تقطع يده لجميع من سرق منه اذا لم يكن اقيم عليه الحد فان كان قد اقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قطع ايضا قال ابو عمر لا اعلم في هذه المسالة خلافا بين اهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالامصار ولا على من قبلهم وقد روي ايضا منصوصا عن جماعة من التابعين وهو القياس الصحيح لان قطع اليد في السرقة حق لله عز وجل فلا يقام الا مرة لما تقدم كالزنى لا يقام فيه الحد الا مرة على الزاني مرارا ما لم يحد فان عاد بعد الحد فعليه الحد مرة اخرى وهكذا ابدا في السرقة والزنى اصل اخر من الاجماع ايضا في الرجل يطا امراة قد نكحها نكاحا فاسدا او نكاحا صحيحا انه يجب عليه المهر بوطء مرة ولو وطاها بعد ذلك مرارا لم يكن عليه غير ذلك‏.‏

1555- مالك ان ابا الزناد اخبره ان عاملا لعمر بن عبد العزيز اخذ ناسا في حرابة ولم يقتلوا احدا فاراد ان يقطع ايديهم او يقتل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز لو اخذت بايسر ذلك قال ابو عمر ليس في ‏(‏الموطا‏)‏ مثله في المحاربين غير هذه وهي لمحة كما ترى فلنذكر احكام المحاربين باخصر ما يقدر عليه بعون الله عز وجل واما قول عمر بن عبد العزيز لعامله في المحاربين الذين لم يقتلوا لو اخذت بايسر ذلك فيدل على انه كان يذهب إلى تخيير الامام في عقوبة المحاربين على ظاهر القران قوله عز وجل ‏(‏ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض‏)‏ ‏[‏المائدة 33‏]‏‏.‏

فقالت طائفة قد اختلف السلف ومن بعدهم من العلماء في حكم المحارب اذا اخذ في حرابته قبل ان يتوب واختلفوا في من عنى الله عز وجل بقوله ‏(‏انما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا‏)‏ ‏[‏المائدة 33‏]‏‏.‏

فقالت طائفة منهم نزلت في الكفار المرتدين الذين اغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا الرعاة وكفروا بعد ايمانهم فمن كفر بالله من بعد ايمانه فقد حارب الله عز وجل ورسوله فاذا جمع السعي في الارض بالفساد وهو الخروج عن المسلمين وقطع الطريق واخافة السبل فهو ممن عني بالاية واحتجوا بحديث انس رواه ثابت البناني وابو قلابة وقتادة بن دعامة عن انس ان نفرا من عكل وعرينة قدموا المدينة فتكلموا بالاسلام وكانوا اهل ضرع ولم يكونوا اهل الف فاجتووا المدينة فامر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بزود ولقاح وان يخرجوا من المدينة فيشربوا من البانها وابوالها وقال بعضهم في هذا الحديث فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخرجوا إلى ابل الصدقة فيشربوا من البانها وابوالها فانطلقوا فلما كانوا بناحية الحرة كفروا بعد اسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الابل مرتدين فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثرهم فأدركوا وأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل اعينهم ومنهم من يقول وسمر اعينهم وتركوا بناحية الحرة يكدمون حجارتها حتى ماتوا قال قتادة فبلغنا ان هذه الاية نزلت فيهم ‏(‏انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا‏)‏ ‏[‏المائدة 33‏]‏‏.‏

وممن قال ان الاية نزلت في اهل الكفر الحسن وعطاء وقال اكثر اهل العلم نزلت في كل من قطع الطريق واخاف السبيل واخذ المال قتل او لم يقتل على ما نذكر فمن اختلافهم في جزاء المحارب هل هو على الاستحقاق او على تخيير الامام فيه وانكر الفقهاء ان تكون الاية نزلت في اهل الشرك لان الله عز وجل قال في المحاربين ‏(‏الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم‏)‏ ‏[‏المائدة 34‏]‏‏.‏

وقد اجمع علماء المسلمين على ان الكفار اذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر من حقوق الله عز وجل وحقوق المسلمين قبل ان يقدروا عليهم وبعد ان يقدروا عليهم ويصيروا في ايدي المسلمين فلا يحل قتلهم باجماع المسلمين ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال او دم فدل ذلك على ان الاية تنزل في اهل الشرك والكفر وهذا هو الصحيح لان المحاربين يؤخذون بكثير من ذلك مما يؤخذ منهم لاجماع العلماء - ما وجد في ايديهم من اموال المسلمين واهل الذمة ايضا‏.‏

وقال مالك يؤخذون بالدم اذا طلبه وليه وقال الليث لا يؤخذون به‏.‏

وقال الشافعي تضع عن المحارب توبته حد الله عز وجل الذي وجب لمحاربته ولا تسقط عنه حقوق بني ادم وقال ابو حنيفة ان لم يقدر الامام على قطاع الطريق حتى جاؤوا تائبين وضعت عنهم حقوق الله عز وجل التي كانت تقام عليهم لو لم يتوبوا ويرجع حكم ما اصابوا من القتل والجراح إلى اولياء المقتولين والمجروحين فيكون حكمهم في ذلك كحكمهم لو اصابوا ذلك على غير قطع الطريق قال ابو عمر هذا كله ليس هو الحكم عند احد من العلماء في من اسلم من الكفار قبل ان يقدر عليه فدل ذلك على فساد قول من قال نزلت الاية في اهل الشرك وقال الفقهاء واهل اللغة معنى قوله عز وجل ‏(‏يحاربون الله‏)‏ ‏[‏المائدة 33‏]‏‏.‏

يحاربون اهل دين الله عز وجل واما اختلاف العلماء في جزاء المحاربين هل هو على قدر الاستحقاق ام على تخيير الامام فروي عن بن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء وابراهيم ان الامام مخير يحكم فيهم بما شاء من الاوصاف التي ذكر الله عز وجل في الاية من القتل او الصلب او القطع او النفي و‏(‏او‏)‏ عند هؤلاء للتخيير وممن قال بذلك مالك والليث وابو ثور قال مالك ذلك إلى اجتهاد الامام يستشير بذلك اهل العلم والراي والفضل على قدر جرم المحارب وافساده وليس ذلك إلى سوى الامام قال مالك الفساد في الارض القتل واخذ المال قال الله عز وجل ‏(‏واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد‏)‏ ‏[‏البقرة 205‏]‏‏.‏

وقال عز وجل ‏(‏من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا‏)‏ المائدة قال ابو عمر معناه او بغير فساد في الارض فدل على ان الفساد في الارض وان لم يكن قتلا فهو كالقتل والفساد المجتمع عليه هنا قطع الطريق وسلب المسلمين واخافة سبلهم والقول الثاني ان الحكم في المحارب انه ان قتل قتل وان اخذ المال وقتل وصلب وان اخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وان اخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي وروي هذا ايضا عن بن عباس ومجاهد وعطاء وابراهيم النخعي والحسن البصري وهو قول ابي مجالد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وهو قول اهل العلم و‏(‏او‏)‏ عند هؤلاء للتفضيل والى هذا ذهب الشافعي وابو حنيفة والاوزاعي واصحابهما والثوري واحمد واسحاق‏.‏

وقال الشافعي تقام عليهم الحدود على قدر اختلاف افعالهم من قتل منهم واخذ المال قتل وصلب واذا قتل ولم ياخذ مالا قتل ودفع إلى اوليائه يدفنوه ومن اخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف في مكان واحد وحسمع على عضوه بالنار قبل ان يقطع الاخر ومن حضر وكثر وهيب وكان ردءا عزر وحبس قال ابو عمر نحو هذا قول الكوفيين وسائر من ذكرنا من الفقهاء والنفي عندهم ان يحبسوا حتى يحدثوا توبة‏.‏

وقال مالك النفي ان يخرج إلى بلد اخر ويحبس هناك في السجن وقال يحيى بن سعيد الانصاري ينفى من بلده إلى بلد غيره ولم يذكر حبسا وقال عبد الملك بن الماجشون قول ابي وبن دينار والمغيرة ان نفي المحارب انما هو ان يطلبه الامام لاقامة الحد عليه فيهرب وليس كنفي الزاني البكر وهو قول بن شهاب قال ابو عمر في صلب المحارب اقوال لاهل العلم وكذلك في نفيه ايضا لاهل العلم اقوال واعتلالات وتوجيهات واختصرنا ذلك كله خوف الاطالة وشرطنا الاختصار والاشارة إلى ما اشار إليه مالك رحمه الله قال مالك الامر عندنا في الذي يسرق امتعه الناس التي تكون موضوعة بالاسواق محرزة قد احرزها اهلها في اوعيتهم وضموا بعضها إلى بعض انه من سرق من ذلك شيئا من جرزه فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع فان عليه القطع كان صاحب المتاع عند متاعه او لم يكن ليلا ذلك او نهارا قال ابو عمر الحجة في قوله هذا حديث صفوان بن امية اذ سرق رداؤه من تحت راسه او من تحت توسده وهو نائم والنائم كالغائب عن متاعه وغلق الوعاء على المتاع كغلق باب الدار والبيت ولم يختلفوا ان من فتح باب دار او بيت وسرق منه ما يبلغ المقدار انه يقطع وقد ابى كثير من الفقهاء ان يجعلوا ذلك خرزا اذا غاب عنه صاحبه ولم يكن عقله ولا تحت حرزه وقفله وهذه من مسائل الراي يسوغ فيها الاجتهاد والاصل عندي في هذا وما كان مثله ان لا يراق دم السارق المسلم الا بيقين والتيقن اصل او قياس غير مدفوع على اصل لان الخطا في العفو خير وايسر من الخطا في العقوبة وقد اجمع العلماء على ان كل سرقة لا قطع فيها فالغرم واجب على من سرقها موسرا كان او معسرا قال مالك في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع ثم يوجد معه ما سرق فيرد إلى صاحبه انه تقطع يده واحتج مالك لقوله هذا بالشارب يوجد منه ريح الشراب فيحد وهذا ليس بحجة عند موافقيه فضلا عن مخالفيه والقطع واجب عند العلماء على كل سارق اخرج المتاع من حرزه وهو حق لله عز وجل وليس للادمي في القطع حق فان وجد متاعه اخذه باجماع ليس له غير ذلك ولا له العفو عن السارق اذا بلغ السلطان وهو وغيره في ذلك سواء واختلف العلماء في السارق تقطع يده وقد استهلك المتاع فقال مالك يغرمه ان كان مليئا في حين القطع او في حين الحكم وان كان معسرا لم يتبع بشيء من قيمة السرقة‏.‏

وقال الشافعي يتبع به دينا اذا استهلكه ويلزمه غرم ما سرق مليا او معدما لان القطع حق لله عز وجل والغرم حق للمسروق منه قال وقد اجمعوا انه لو وجده ربه بيد السارق اخذه وان قطعت يده به وكذلك اذا استهلكه يغرمه في حال اليسر والعسر كسائر المستهلكات من اموال المسلمين وبه قال ابو ثور واحمد واسحاق وهو قول ابراهيم النخعي وحماد بن ابي سليمان ويحيى بن سعيد الانصاري والليث بن سعد وعثمان البتي وقال سفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وابو حنيفة واصحابه اذا قطعت يد السارق فلا غرم عليه مليا ولا عديما الا ان يوجد الشيء معه فيؤخذ منه وهو قول عطاء والشعبي وبن سيرين ومكحول وبه قال بن ابي ليلى وبن شبرمة وحجة من قال بهذا القول ما حدثنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن اسيد قال حدثني حمزة بن علي قال حدثني احمد بن شعيب قال حدثني احمد بن منصور قال حدثني حسان بن عبيد الله قال حدثني المفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد قال سمعت سعد بن ابراهيم يحدث عن المسور بن ابراهيم عن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لا يغرم السارق اذا اقيم عليه الحد‏)‏ قال ابو عمر هذا ليس بالقوي عندهم والمسور بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف اخو سعد بن ابراهيم وصالح بن ابراهيم لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف ولو ثبت هذا الحديث لوجب القول به ولكنه عندهم غير ثابت لانه منقطع وان كان قد وصله سعيد بن كثير عن عفير عن المفضل عن يونس عن سعد عن اخيه المسور بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الرحمن بن عوف فان ثبت فالقول به اولى والا فالقياس ما قاله الشافعي ومن تابعه وبالله التوفيق اخبرنا احمد بن محمد قال حدثني احمد بن المفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني احمد بن الحسن الترمذي قال حدثني سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني مفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد عن سعد بن ابراهيم قال حدثني اخي المسور بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ اذا اقيم الحد على السارق فلا غرم عليه‏)‏ قال مالك في القوم ياتون إلى البيت فيسرقون منه جميعا فيخرجون بالعدل يحملونه جميعا او الصندوق او الخشبة او بالمكتل او ما اشبه ذلك مما يحمله القوم جميعا انهم اذا اخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعا فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع وذلك ثلاثة دراهم فصاعدا فعليهم القطع جميعا قال وان خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدا فعليه القطع ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدا فلا قطع عليه قال ابو عمر من الاختلاف في هذه المسالة ما ذكره المزني عن الشافعي قال واذا كانوا ثلاثة فحملوا متاعا واخرجوه معا فبلغ ثلاثة ارباع دينار قطعوا وان نقص شيئا لم يقطعوا وان اخرجوه متفرقا فمن اخرج ما يساوي ربع دينار قطع وان لم يساو ربع دينار لم يقطع قال ولو نقبوا جميعا ثم اخرج بعضهم ولم يخرج بعض قطع المخرج خاصة واما ابو حنيفة واصحابه فذكر الطحاوي عنهم قال ولا قطع على جماعة سرقوا حتى يكون لكل واحد منهم قيمة عشرة دراهم فصاعدا ومن سرق من رجلين عشرة دراهم سرقة واحدة قطع فيها وقال في موضع اخر ومن دخل عليه جماعة فولي رجل منهم اخذ متاعه وحمله قطعوا جميعا قال ابو عمر هذا تناقض ظاهر وممن قال بقول مالك في الرجلين او اكثر يسرقون مقدار ربع دينار انهم يقطعون فيه احمد بن حنبل وابو ثور قياسا على القوم يشتركون في القتل انهم يقتلون بالواحد اذا اشتركوا في قتله واختلف الفقهاء ايضا في النفر يدخلون الدار ويجمعون المتاع ويحملونه على احدهم ويخرجون معه فقال الشافعي وابو ثور القطع على الذي اخرج المتاع وحده واختلف اصحاب ابي حنيفة فمنهم من قال يقطعون كلهم ومنهم من قال لا يقطع الا الذي اخرج المتاع واختلف في ذلك قول مالك ايضا فروى بن ابي اويس عنه انه قال يقطعون جميعا قال انما ذلك بمنزلة ما لو حملوه على حمار او غيره من الدواب وروى بن القاسم عنه انه قال لا يقطع الا الذي حملة وحده قال مالك الامر عندنا انه اذا كانت دار رجل مغلقة عليه ليس معه فيها غيره فانه لا يجب على من سرق منها شيئا القطع حتى يخرج به من الدار كلها وذلك ان الدار كلها هي حرزه فان كان معه في الدار ساكن غيره وكان كل انسان منهم يغلق عليه بابه وكانت حرزا لهم جميعا فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئا يجب فيه القطع فخرج به إلى الدار فقد اخرجه من حرزه إلى غير حرزه ووجب عليه فيه القطع قال ابو عمر هذا كله قول الشافعي وابي حنيفة وبه قال ابو ثور واحمد واسحاق وقال ابو يوسف ومحمد لا قطع في الدار المشتركة حتى يخرج السارق بالسرقة من الدار كلها قال مالك والامر عندنا في العبد يسرق من متاع سيده انه ان كان ليس من خدمه ولا ممن يأمن على بيته ثم دخل سرا فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع عليه وكذلك الامة اذا سرقت من متاع سيدها لا قطع عليها قال ابو عمر الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم اجمعوا على ان العبد لا يقطع في ما سرق من مال سيده وسيدته وكذلك الامة لا قطع عليها في ما سرقت من مال سيدها وسيدتها مما يؤتمن عليه ومما لا يؤتمنون عليه وهو قول مالك والليث وابي حنيفة والشافعي واصحابهم والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق وابراهيم والطبري وقال ابو ثور يقطع العبد اذا سرق من سيده الا ان يمنع منه اجماع وقال اهل الظاهر يقطع العبد اذا سرق من مال سيده الذي لم يأتمنه عليه لظاهر قول الله عز وجل ‏(‏والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما‏)‏ ‏[‏المائدة 38‏]‏‏.‏

قال ابو عمر ثبت عن عمر بمحضر من الصحابة قوله خادمكم سرق متاعكم فجعلوا العلة المانعة من القطع في الغلام الذي شكا بن الحضرمي وهو غلامه انه سرق مراة امراته قوله خادمكم سرق متاعكم وثبت عن بن مسعود انه قال في عبد سرق من مال سيده مالك سرق بعضه بعضا ولا اعلم لعمر وبن مسعود مخالفا من الصحابة ولا من التابعين بعدهم إلى ما ذكرنا من اتفاق العلماء ائمة الفتوى بالامصار على ذلك وسيأتي القول في غلام الرجل يسرق من مال امراته او خادم المراة يسرق من مال زوجها في الباب بعد هذا عند ذكر حديث بن الحضرمي من رواية مالك ان شاء الله عز وجل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال شاهدت عمر وجاءه عبد الله بن عمرو الحضرمي بغلام له فقال ان غلامي هذا سرق فاقطع يده قال عمر ما سرق قال مراة امراتي قيمتها ستون درهما قال ارسله فلا قطع عليه خادمكم اخذ متاعكم ولكنه لو سرق من غيركم قطع قال ابو عمر هذا لا يقوله عمر من رايه وهو يتلو الاية في السارق والسارقة الا بتوقيف ذكر عبد الله بن المبارك عن سفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن همام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل قال جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال عبدي سرق من عبدي وقال بن نمير في هذا الخبر عن سفيان باسناده هذا غلامي سرق من غلامي فقال بن مسعود لا قطع عليه مالك سرق بعضه بعضا‏.‏

وقال مالك في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يأمن على بيته فدخل سرا فسرق من متاع امراة سيده ما يجب فيه القطع انه تقطع يده قال وكذلك امة المراة اذا كانت ليست بخادم لها ولا لزوجها ولا ممن تأمن على بيتها فدخلت سرا فسرقت من متاع سيدتها ما يجب فيه القطع فلا قطع عليها قال مالك وكذلك امة المراة التي لا تكون من خدمها ولا ممن تأمن على بيتها فدخلت سرا فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه القطع انها تقطع يدها قال مالك وكذلك الرجل يسرق من متاع امراته او المراة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع ان كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت الذي يغلقان عليهما وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه فان من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع فعليه القطع فيه قال ابو عمر اختلف قول الشافعي في هذه المسألة والمشهور من مذهبه ما ذكره الربيع والمزني عنه في انه ذكر قول مالك هذا في ‏(‏موطئه‏)‏ وقال هذا مذهب من ذهب إليه وتأول قول عمر خادمكم سرق متاعكم أي خادمكم الذي يلي خدمتكم وارى - والله اعلم - على الاحتياط أي لا يقطع الرجل لامرأته ولا المراة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من مال الاخر شيئا للاثر والشبهة وبخلطة كل واحد منهما صاحبه لانها خيانة لا سرقة قال المزني وقال في كتاب ‏(‏اختلاف الاوزاعي وابي حنيفة‏)‏ اذا سرقت المراة من مال زوجها الذي لم يأمنها عليه وفي حرز منها قطعت قال المزني هذا عندي اقيس قال ابو عمر تحصيل مذهب الشافعي عند اصحابه ان لا قطع على عبد رجل سرق من متاع مال امراة سيده ولا عبد امراة سرق من مال زوج سيدته وهو قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد وزفر وسليمان وقالوا لا قطع على رجل سرق في ما سرق من مال زوجته وعلى امراة سرقت في ما سرقت من مال زوجها وقال ابو ثور في ذلك كله بقول مالك‏.‏

وقال مالك يقطع الولد اذا سرق من مال والديه ولا يقطع الابوان مما سرقا من ولدهما‏.‏

وقال الشافعي لا يقطع من سرق من مال ولده ولا ولد ولده ولا من مال ابيه وامه واجداده من قبل ايهما كان ويقطع في من سواهم من القرابات‏.‏

وقال الشافعي في طنبور ولا مزمار ولا خمر ولا خنزير وهو قول احمد واسحاق وقال سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه لا يقطع من سرق من مال ذي رحم محرمة منه مثل الخالة والعمة ومن كان مثلهما وقال ابو ثور يقطع كل من سرق الا ان يجمعوا على احد فيسلموا للاجماع قال مالك في الصبي الصغير والاعجمي الذي لا يفصح انهما اذا سرقا من حرزهما او غلقهما فعلى من سرقهما القطع وان خرجا من حرزهما وغلقهما فليس على من سرقهما قطع قال وانما هما بمنزلة حريسة الجبل والثمر المعلق قال ابو عمر يأتي القول في الثمر المعلق وغير المعلق في الباب بعد هذا ان شاء الله عز وجل عند قول رسول الله ‏(‏لا قطع في ثمر ولا كثر‏)‏ ان شاء الله عز وجل واما الحريسة فقال ابو عبيد تفسر تفسيرين فبعضهم يجعلها السرقة بعينها يقول حرس يحرس حرسا اذا سرق فيكون المعنى ان ما سرق من الماشية بالجبل قطع حتى ياويها المراح قال والتفسير الاخر ان تكون الحريسة هي المحروسة فيقول ليس فيما يحرس في الجبل قطع لانه ليس بموضع حرز وان سرق قال ابو عمر قد اختلف الفقهاء في الصبي المملوك والاعجمي اللذين لا يعقلان يسرقان من حرزهما فقال جمهور الفقهاء يقطع من سرقهما او احدهما وهذا قول مالك والثوري والشافعي وابي حنيفة واحمد واسحاق وابي ثور وروي ذلك عن الحسن والشعبي وبن شهاب الزهري هذا كله اذا كانا لا يعقلان ولا يميزان فان ميزا وعقلا فلا قطع على من سرقهما عند الكوفيين واما اختلافهم في الصبي الصغير الحر فقال مالك واصحابه يقطع سارقه وهو قول إسحاق وروي ذلك عن الحسن والشعبي وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري لا يقطع سارق الصبي الحر لانه ليس بمال وبه قال احمد وابو ثور وحكاه ابو ثور عن الشافعي وهو قول عبد الملك بن الماجشون قال مالك والامر عندنا في الذي ينبش القبور انه اذا بلغ ما اخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه القطع‏.‏

وقال مالك وذلك ان القبر حرز لما فيه كما ان البيوت حرز لما فيها قال ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر قال ابو عمر الاختلاف في قطع النباش اذا اخرج من القبر ما يبلغ المقدار المقطوع فيه السارق على ما اصفه لك اما الجمهور من الفقهاء والتابعين فيرون قطعه منهم مالك والشافعي واصحابهما وبه قال إسحاق وابو ثور وهو قول الحسن البصري وابراهيم النخعي والشعبي وقتادة وحماد بن ابي سليمان ورواية عن عمر بن عبد العزيز وقال احمد هو اهل ان يقطع وروي عن عبد الله بن الزبير انه قطع نباشا اخبرنا احمد بن عبد الله قال حدثني احمد بن مخلد قال حدثني ابي قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني حجاج قال حدثني هشيم عن سهيل بن ذكوان قال شاهدت عبد الله بن الزبير قطع نباشا وروي عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان النباش كالمحارب وكان سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه لا يرون على النباش قطعا وروي ذلك عن زيد بن ثابت ومروان بن الحكم وافتى به بن شهاب الزهري قال ابو عمر احتج من راى قطع النباش بقول الله عز وجل ‏(‏الم نجعل الارض كفاتا احياء وامواتا‏)‏ ‏[‏المرسلات 25‏]‏‏.‏

26 وان النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتا وليس في هذا كله ما يوجب التسليم له الا ان النفس اشد سكونا إلى قول الاكثر من اهل العلم وقد روي عن عبيد الله بن زياد انه صلب نباشا وليس في عبيد الله بن زياد اسوة ولا في ابيه قبله ومن حجة من راى الا قطع على النباش لان الميت لا يصح له ملك وانما يجب القطع على من سرق من ملك مالك وبالله التوفيق‏.‏

باب ما لا قطع فيه

1556- مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ان عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد واراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فساله عن ذلك فاخبره انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏لا قطع في ثمر ولا كثر‏)‏ والكثر الجمار فقال الرجل فان مروان بن الحكم اخذ غلاما لي وهو يريد قطعه وانا احب ان تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال اخذت غلاما لهذا فقال نعم فقال فما انت صانع به قال اردت قطع يده فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏ لا قطع في ثمر ولا كثر‏)‏ فامر مروان بالعبد فارسل قال ابو عمر قد ذكرنا الاختلاف في اسناد هذا الحديث في ‏(‏التمهيد‏)‏ وذكرنا طرقه واختلاف الناقلين لها فمنها مرسل منقطع ومنها ما يستند من وجه ويتصل وهو حديث لا يطابق متنه ولفظه المعنى الذي خرج عليه لان المسروق كان وديا والودي الفصيل وهو النخلة الصغيرة كالنقل من شجر التين وغيرها قلعة الذي سرقه وغرسه في حائط سيده والثمر المعلق ما كان من الثمار في رؤوس الاشجار لم يجذه ربه ولم ياويه صاحبه إلى جرين ولا بيدر ولا جودان ولا اندر ولا مربد وانما قائم يتعلق من الاشجار والكثر قال ابو عبيد وغيره هو جمار النخل في كلام الانصار وهو يؤكل عندهم كما تؤكل الثمار والودي ليس كذلك واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة او غير مقلوعة واختلفوا ايضا فيما يؤكل من الثمار رطبا وفي ما يكون من الحيطان لاشجارها وثمارها فنورد من ذلك ما حضرنا ذكره وبالله عز وجل توفيقنا قال مالك لا قطع في النخلة الصغيرة ولا الكبيرة اذا قلعها من موضعها واختلف اصحابه في الشجرة تقلع وتوضع في الارض فقال بعضهم وضعها في الارض حرز لها اذا كان في موضع محروز والله اعلم وقال بعضهم لا قطع فيها على حال ولم يختلفوا في من قلع شيئا من البقول القائمة والشجر القائمة انه لا قطع على سارقها كما لا قطع في الثمر المعلق حتى ياويه الجرين ولا في حريسه الجبل من الماشية كلها حتى ياويها المراح والجرين والمراح والجرين حرز على ما يسرق منه لمن سرق منه وفيه ما يوجب القطع واما الشافعي فقال الاصل انه لا قطع على من سرق من غير حرز والجرين حرز لما فيه والمراح حرز لما يحويه من الغنم قال والذي تعرفه العامة بالحجاز ان الجرين حرز والحائط ليس بحرز قال والحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمر لان اكثرها مباح يدخل من جوانبها فمن سرق من حائط شيئا من الثمر المعلق لم يقطع واذا اواه الجرين قطع سارقه اذا بلغت قيمته ربع دينار قال الشافعي قال مالك في الاترجة التي قطع فيها عثمان رضي الله عنه كانت اترجة تؤكل قال الشافعي وفي ذلك دليل على قطع من سرق الرطب من طعام او غيره اذا بلغت سرقته ربع دينار واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا لا قطع في سرقة ثمر من رؤوس النخل ولا في حنطة اذا كانت سنبلا في سنبلتها ولا في ثمر ولا في كثر فاذا احرز الثمر وجعل في حظيرة واغلق باب كان على من سرق منه ما بلغ عشرة دراهم القطع قالوا ولا قطع على من سرق ما يفسد من الفاكهة واللحم والطعام الذي هو كذلك وان غلت قيمته ولا قطع في شيء من الخشب الا في الساج وحده فمن سرق منه ما يساوي عشرة دراهم قطع قال ابو يوسف في ‏(‏الاملاء‏)‏ القثاء مثل الساج يقطع سارقه وهو قول الثوري فيما لا بقاء له من الفاكهة كقول ابي حنيفة ولهم في باب ما لا قطع فيه اقوال ضعيفة جدا وانما ذكرنا في هذا الباب ما يؤكل من الثمار وذكرنا من الخشب لما جرى في الحديث المذكور فيه منها ولم نتعرض لغير ذلك خشية الاطالة لان كتابنا هذا كتاب ‏(‏اصول الفقه‏)‏ لم يوضع لفروعه لانها لا تحصى الا بمعرفة اصولها والله ولي العون والتوفيق لا شريك له‏.‏

1557- مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد ان عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فانه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مراة لامراتي ثمنها ستون درهما فقال عمر ارسله فليس عليه قطع ‏(‏خادمكم سرق متاعكم‏)‏ قال ابو عمر قد تقدم القول في هذا المعنى في الباب قبل هذا وهو يشهد بان العبد لا قطع عليه في مال زوج سيده ولا معنى لقول من اعتل فيه بالحرز لانه لا يقطع عندهم احد سرق من غير حرز عبد ولا حر ويدل هذا على ان ما لم يقطع فيه بالسيد لم يقطع فيه غلامه فلما كان السيد لا يقطع في مال امراته لانه خائن ففعل ذلك كان عبده كذلك والله اعلم وقد ذكرنا من قال بهذا القول ومن خالف فيه من العلماء في الباب قبل هذا والحمد لله كثيرا وقد قال مالك رحمه الله فيما ذكر بن عبد الحكم عنه من ادخل رجلا منزله فعمد إلى تابوت في البيت صغير او كبير فدقه فاخذ ما فيه فلا قطع عليه قال وكذلك اذا عمد إلى خزانة مغلقة فكسرها واخذ ما فيها فلا قطع عليه ومن اغلق حانوته ورفع مفاتحه إلى اجير له فخالفه إليه فسرق منه فلا قطع عليه قال ابو عمر الغلام السارق من متاع امراة سيده وهو معهما في دار واحدة اولى بهذا الحكم لانه كله خيانة لا سرقة والله اعلم وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه مالك من ان السيد لا يقطع عبده في السرقة ولو كان ما احتاج بن الحضرمي الا لسلطان في قطع غلامه‏.‏

1558- مالك عن بن شهاب ان مروان بن الحكم اتي بانسان قد اختلس متاعا فاراد قطع يده فارسل إلى زيد بن ثابت يساله عن ذلك فقال زيد بن ثابت ليس في الخلسة قطع قال ابو عمر رواه معمر عن الزهري قال اختلس رجل متاعا فاراد مروان ان يقطع يده فقال له زيد بن ثابت تلك الخلسة الظاهرة لا قطع فيها قال عبد الرزاق اخبرنا الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن علي رضي الله عنه انه سئل عن الخلسة فقال تلك الدعرة المعلنة لا قطع فيها قال ابو عمر اجمع اهل العلم على ان الخلسة لا قطع فيها ولا في الخيانة ولا اعلم احدا اوجب في الخلسة القطع الا اياس بن معاوية وسائر اهل العلم لا يرون فيها قطعا وقد روى بن جريج عن ابي الزبير عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ليس على الخائن قطع ولا على المختلس قطع وقد روى بن المبارك عن سفيان عن إسماعيل عن الحسن ان علي بن ابي طالب اتي في الخلسة فقال تلك المعلنة لا قطع فيها وروى سعيد عن قتادة عن خلاس ان عليا كان لا يقطع في الخلسة واجمعوا انه ليس على الغاصب ولا على المكابر الغالب قطع الا ان يكون قاطع طريق شاهرا بالسلاح على المسلمين مخيفا للسبل فحكمه ما تقدم ذكره في المحاربين‏.‏

1559- واما حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد انه قال اخبرني ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه اخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فارسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن مولاة لها يقال لها امية قال ابو بكر فجاءتني وانا بين ظهراني الناس فقالت تقول لك خالتك عمرة يا بن اختي اخذت نبطيا في شيء يسير ذكر لي فاردت قطع يده قلت نعم قالت فان عمرة تقول لك لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا قال ابو بكر فارسلت النبطي وهذا المعنى قد مضى في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله قال مالك والامر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد انه من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع الحد والعقوبة فيه في جسده فان اعترافه جائز عليه ولا يتهم ان يوقع على نفسه هذا قال مالك واما من اعترف منهم بامر يكون غرما على سيده فان اعترافه غير جائز على سيده قال ابو عمر قول مالك هذا في اقرار العبيد بما يوجب الحد عليهم والعقوبة في ابدانهم انهم يؤخذون به وهو قول جمهور الفقهاء الشافعي وابي حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي وعثمان البتي والحسن بن حي وقال زفر بن الهذيل لا يجوز اقرار العبد على نفسه بما يوجب قتله ولا قطع يده اذا اكذبه مولاه قال ابو عمر قول زفر هذا هو قول شريح والشعبي وقتادة وعطاء وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى وابي الضحى ذكر ذلك كله عنهم بالاسانيد عبد الرزاق وابو بكر بن ابي شيبة وقال ابو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن ابي مالك الاشجعي قال حدثني اهل هرمز والخبر عن هرمز انه اتى عليا فقال اني اصبت حدا فقال تب إلى الله عز وجل واستتر بستر الله قال يا امير المؤمنين طهرني قال قم قنبر فاضربه الحد وليكن هو يعد لنفسه فاذا نهاك فانته وكان مملوكا وروى عبد الرزاق عن الثوري عن ابي مالك الاشجعي عن اشياخ لهم ان عبدا لاشجع يقال له ابو حليمة اعترف بالزنى عند علي رضوان الله عليه اربع مرات فاقام عليه الحد وروى ابو الزناد عن عبد الله بن عامر ان ابا بكر قطع يد عبد سرق قال ابو عمر الجلد لا ينقص المولى منفعة ولا ثمنا وليس كالقتل وقطع اليد واما قوله اذا نهاك فانته فهذا شأن كل مقر على نفسه الا يقام عليه الحد اذا نزع ولو بقي من الحد سوط واحد عند جمهور العلماء وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في ما مضى وذكر الطحاوي عن علي ان عبدا اقر عنده بالسرقة مرتين فقطع يده وذكر بن المبارك عن سفيان وعن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه قال جاء رجل إلى علي بن ابي طالب رضي الله عنه فاعترف عنده بالسرقة فطرده ثم اتاه الثانية فاعترف عنده فقال علي شهدت على نفسك مرتين فقطعه قال فرايت يده معلقة في عنقه ذكر الطحاوي ان الرجل كان عبدا وليس ذلك في الحديث وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم قال ما اعترف العبد في شيء يقام عليه في جسده فانه لا يتهم في جسده وما اعترف به من شيء يخرجه عن مولاه فلا يجوز اعترافه واخبرنا معمر عن قتادة قال لا يجوز اعتراف العبد الا في سرقة او زنى قال واخبرنا معمر عن الزهري قال كان ممن مضى يجيز اعتراف العبيد على انفسهم حتى اتهمت القضاة العبيد انهم انما يفعلون ذلك كراهة لساداتهم وفرارا منهم فاتهموهم في بعض الامور التي تشكل قال واخبرنا بن جريج عن سليمان بن موسى قال لا يجوز اعتراف العبيد الا في الحدود فالرواية الاولى ذكرها ابو بكر قال حدثني ابو عاصم الضحاك بن مخلد عن بن جريج عن سليمان بن موسى قال لا يجوز اعتراف العبيد الا ببينة وقال ابو بكر حدثني هشيم عن ابي حرة عن الحسن قال يجوز اقرار العبد فيما اقر به من حد وما اقر به مما يذهب رقبته فلا قال‏.‏

وحدثني هشيم عن مغيرة عن ابراهيم مثله قال ابو عمر رواية الثوري عن مغيرة عن ابراهيم اصح قال مالك ليس على الاجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم ان سرقاهم قطع لان حالهما ليست بحال السارق وانما حالهما حال الخائن وليس على الخائن قطع قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ليس على الخائن ولا على المختلس قطع‏)‏ واجمع علماء المسلمين انه ليس على الخائن قطع وكفى بهذا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج انه اخبره عن ابي الزبير عن جابر انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ليس على المختلس ولا على الخائن قطع‏)‏ قال عبد الرزاق واخبرنا ياسين الزيات عن ابي الزبير عن جابر قال ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع قال قلت اعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن ولا على المختلس قطع قال فعن من وذكر ابو داود هذا الحديث قال حدثني نصر بن علي قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ليس على الخائن ولا على المختلس قطع‏)‏ قال ابو داود بلغني عن احمد بن حنبل انه قال لم يسمع بن جريج هذا الحديث من ابي الزبير وانما سمعه من ياسين الزيات قال ابو داود وقد رواه المغيرة بن مسلم عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها انه ليس عليه قطع وانما مثل ذلك مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع قال ابو عمر جمهور الفقهاء على ما قاله مالك في المستعير الجاحد انه لا قطع عليه وهو قول اهل الحجاز والعراق واهل الشام ومصر وقال احمد بن حنبل واسحاق يقطع قال احمد لا اعلم شيئا يدفع حديث عائشة في ذلك قال ابو عمر احتج من قال بهذا الحديث رواه معمر ذكره عبد الرزاق وغيره عن معمر انه اخبرهم عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت امراة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فاتى اهلها اسامة فكلموه فكلم اسامة النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يا اسامة الا اراك تتكلم في حد من حدود الله عز وجل‏)‏ ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال انما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه وان سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها‏)‏ فقطع يد المخزومية قال ابو عمر احتج من قال بهذا الحديث بما فيه من قوله كانت تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها قالوا فالظاهر انه لم يقطع يدها الا لانها كانت تستعير المتاع وتجحده قالوا قد تابعه معمر على ما ذكرناه من ذلك بن اخي الزهري وغيره وحسبك بمعمر في الزهري قالوا وقد رواه عن نافع عن صفية بنت ابي عبيد ان امراة كانت تستعير المتاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجحده ولا ترده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها ورواه معمر عن ايوب عن نافع عن بن عمر قال كانت امراة مخزومية تستعير متاعا على جارتها وتجحده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها قال ابو عمر من تدبر هذا الحديث علم انه لم يقطع يدها الا لانها سرقت لقوله صلى الله عليه وسلم فيه لاسامة ‏(‏الا اراك تتكلم في حد من حدود الله عز وجل‏)‏ وليس لله عز وجل في كتابه ولا في المعروف من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم حد من حدوده فيمن استعار المتاع وجحده ودليل اخر من الحدود من حديث ايضا قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انما أهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه‏)‏ وهذا يدل على انه انما قطعها لسرقتها لا لانها كانت تستعير المتاع وتجحده ولو كان ذلك لقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا استعار فيهم الشريف من المتاع وجحده تركوه هذا ما ظهر إلى من ظاهر لفظ هذا الحديث الذي احتج به من راى قطع المستعير الجاحد وقد روى هذا الحديث الليث بن سعد عن الزهري باسناده وقال فيه ان المخزومية سرقت وقال في اخره ‏(‏والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها‏)‏ وهذا كله يوضح ان القطع انما كان من اجل السرقة لا من اجل جحد العارية من المتاع ويحتمل - والله تعالى اعلم - ان تلك القرشية المخزومية كان من شأنها استعارة المتاع وجحده فعرفت بذلك ثم انها سرقت فقيل المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها يعنون في السرقة - والله اعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني عبيد الله بن يحيى قراءة عليه عن ابيه يحيى بن يحيى عن الليث بن سعد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة ان قريشا اهمهم شأن المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجترئ عليه الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏اتشفع في حد من حدود الله عز وجل‏)‏ ثم قام خطيبا فقال ‏(‏انما هلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وكذلك رواه ايوب بن موسى ويونس بن يزيد عن الزهري وذكره ابو عبد الرحمن النسائي قال اخبرنا محمد بن منصور قال حدثني ايوب عن يوسف بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ان امراة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها اسامة بن زيد وذكر الحديث بمعنى حديث الليث سواء وقد حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مطلب قراءة عليه قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن ابي حبيب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانه ان خالته ابنة مسعود بن العجماء حدثته ان اباها قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة‏.‏

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قالا حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن امه عن عائشة بنت مسعود بن الاسود عن ابيها مسعود قال لما سرقت المراة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظمنا ذلك وكانت المراة من قريش فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه فيها فقلنا نحن نفديها بأربعين اوقية قال ‏(‏ تطهر خير لها‏)‏ فلما سمعنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اتينا اسامة بن زيد فقلنا كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المراة نحن نفديها بأربعين اوقية فلما راى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيبا فقال ‏(‏يا ايها الناس ما اجتراكم علي في حد من حدود الله تعالى وقع على امة من اماء الله عز وجل والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت رسول الله نزل بها الذي نزل بهذه لقطع محمد يدها‏)‏ فهذه الاحاديث كلها دالة على ان المراة المخزومية انما قطعت للسرقة لا لاستعارة المتاع وبالله التوفيق قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع لم يخرج به انه ليس عليه قطع وانما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد ومثل ذلك رجل جلس من امراة مجلسا وهو يريد ان يصيبها حراما فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها فليس عليه ايضا في ذلك حد قال ابو عمر هذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وبه قال ائمة الفتوى بالامصار واصحابهم إلى اليوم وذلك دليل على مراعاتهم الحرز وانه لا قطع الا على من سرق من حرز والخلاف في هذا شذوذ لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه وهو الصحيح عن احمد بن حنبل انه ذهب إليه ونحن نذكر ما في كتاب عبد الرزاق بن همام وابي بكر عبد الله بن ابي شيبة في ذلك لنرى ما عليه في ذلك جمهور العلماء ان شاء الله عز وجل قال عبد الرزاق واخبرنا بن جريج قال قلت لعطاء السارق يوجد في البيت وقد جمع المتاع ولم يخرج به قال لا قطع عليه حتى يخرج به قال بن جريج وقال لي عمرو بن دينار لا قطع عليه حتى يخرج به قال بن جريج واخبرني سليمان بن موسى ان عثمان قضى انه لا قطع عليه حتى يخرج به وان كان قد جمعه قال بن جريج واخبرني عمرو بن شعيب ان بن الزبير اراد قطعه فقال له بن عمر لا قطع عليه حتى يخرج بالمتاع من البيت وقال له بن عمر ارايت لو ان رجلا وجد بين رجلي امراة لم يصيبها اكنت تحده قال لا لعله سوف ينزع - قبل ان يوقعها قال وهذا كذلك ما يدريك لعله كان نازعا تائبا وتاركا للمتاع قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن الزهري قال اذا وجد السارق في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به فلا قطع عليه ولكن ينكل قال معمر وقال قتادة هو رجل اراد ان يسرق فلم يدعوه قال واخبرنا الثوري عن عبد الله بن ابي السفر عن الشعبي قال لا يقطع السارق حتى يخرج بالمتاع من البيت قال واخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن مثل قول الشعبي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه من حديث حصين عن الشعبي ومن حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن ابيه عن جده عن علي رضي الله عنه ومن حديث حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي وكتب فيه عمر بن عبد العزيز ان ينكل ويسجن ولا يقطع وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع عن بن جريج عن سليمان بن موسى عن عثمان قال ليس عليه قطع حتى يخرج من البيت بالمتاع قال واخبرنا وكيع عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن بن عمر قال ليس عليه قطع حتى يخرج بالمتاع قال‏.‏

وحدثني حميد بن عبد الرحمن عن موسى بن ابي الفرات وعن عمر بن عبد العزيز قال لا يقطع حتى يخرج بالمتاع من البيت قال واخبرنا ابو معاوية عن عاصم عن الشعبي انه سئل عن رجل سرق سرقة ثم كورها فأدرك قبل ان يخرج من البيت قال ليس عليه قطع قال‏.‏

وحدثني علي بن مسهر عن زكريا عن الشعبي مثله قال‏.‏

وحدثني محمد بن بكر قال حدثني بن جريج قال قلت لعطاء يوجد السارق وقد اخذ المتاع وجمعه في البيت قال لا قطع عليه حتى يخرج به من البيت زعموا قال وقال عمرو بن دينار ما أرى عليه قطعا قال‏.‏

وحدثني يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن حميد ان عمر بن عبد العزيز كتب في سارق لا يقطع حتى يخرج بالمتاع من الدار لعله تعرض له توبة قبل ان يخرج من الدار قال ابو عمر لا اعلم لمن لم يعتبر الحرز متعلقا بأحد من الصحابة رضي الله عنهم الا ما روي عن عائشة رضي الله عنها ذكره ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو خالد الاحمر عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال بلغ عائشة انهم يقولون اذا لم يخرج بالمتاع من البيت لم يقطع فقالت لو لم اجد الا سكينا لقطعته اذا لم يخرج قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا انه ليس في الخلسة قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه او لم يبلغ قال ابو عمر هذا كما ذكره مالك امر مجتمع عليه لا خلاف فيه وقد مضى القول في الخلسة في ما تقدم من هذا الكتاب فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق‏.‏

كتاب الأشربة

باب الحد في الخمر

1560- مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما قال أبو عمر هذا الإسناد أصح ما يروى من أخبار الآحاد وفي هذا الحديث من الفقه وجوب الحد على من شرب مسكرا أسكر أو لم يسكر خمرا كان من خمر العنب أو نبيذا لأنه ليس في الحديث ذكر الخمر ولا أنه كان سكران وإنما فيه من قول عمر أن الشراب الذي شرب منه إن كان يسكر جلده الحد وهذا يدل على أنه كان شرابا لا يعلم أنه الخمر المحرم قليلها وكثيرها ولو كان ذلك ما سأل عنه وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها وإنما اختلفوا في ما سواها من الأنبذة المسكرة على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وفيه القضاء بالحد على من وجد منه ريح الخمر وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما فروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرون الحد على من وجد منه ريح الخمر وهو قول مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز إذا أقر شاربها أنها ريح خمر أو شهد عليه بذلك وكذلك عندهم ريح المسكر سواء لأن كل معسكر عندهم خمر على ما رووا في ذلك عن النبي وسيأتي بعد في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وخالفهم في ذلك جمهور أهل العراق وطائفة من أهل الحجاز فقالوا لا حد على أحد في رائحة الخمر وهو يعقل لا رائحة المعسكر وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء الريح توجد من شارب الخمر وهو يعقل قال لا حد إلا بالبينة قد تكون الرائحة من الشراب الذي ليس به بأس قال وقال عمرو بن دينار لا حد في الريح وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما قال الشافعي لا يحد الذي يوجد منه ريح الخمر إلا بأن يقول شربت خمرا أو مسكرا أو يشهد بذلك عليه وسواء سكر أو لم يسكر قال ولو شرب شرابا فلم يسكر وشرب من ذلك الشراب غيره فسكر كان عليهما جميعا الحد لأن كل واحد منهما شرب مسكرا‏.‏

وأما العراقيون إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وبن أبي ليلى وشريك وبن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة وأكثر علماء البصرة فإنهم لا يرون في شرب المسكر حدا إلا على من سكر منه ولا يراعون الريح من الخمر ولا من المسكر قال ولا يرون في الريح من ذلك كله حدا وهذا خلاف عن السلف من الصحابة الذين لم يخالفهم مثلهم وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن بن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر رضي الله عنه كان يضرب في الريح وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال حدثنا بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه حضر عمر بن الخطاب وهو يجلد رجلا وجد منه ريح شراب فجلده الحد تاما قال أبو عمر لم يسم مالك ولا بن جريج في حديثهما هذا عن بن شهاب الموجود منه ريح الشارب المجلود فيه وقد سماه في هذا الحديث بن عيينة ومعمر روى الحميدي وغيره عن بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد قال قال عمر ذكر لي أن عبيد الله وأصحابه شربوا شرابا بالشام وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم قال بن عيينة‏.‏

وحدثني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت عمر حدهم قال أبو عمر حديث بن عيينة هذا ليس فيه أنه جلدهم في ريح الشراب بل ظاهره أنه حدهم بما ذكر له وهي الشهادة ولكن بن عيينة لم يأت بالحديث على وجهه والله أعلم وقد ذكر عبد الرزاق هذا الخبر فقال أخبرنا معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال شاهدت عمر بن الخطاب صلى على جنازة ثم أقبل علينا فقال إني وجدت من عبيد الله بن عمر ريح شراب وإني سألته عنهما فزعم أنه الطلاء وإني سائل عن الشراب الذي شربه فإن كان مسكرا جلدته قال فشهدته بعد ذلك يجلده قال أبو عمر قد جود معمر ومالك هذا الحديث عن عمر‏.‏

وأما حديث بن مسعود فذكره عبد الرزاق عن بن عيينة وذكره أبو بكر عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس واللفظ لحديث أبي بكر قال قرأ عبد الله بن مسعود بحمص سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت فدنا منه عبد الله فوجد منه ريح الخمر فقال له تكذب بالحق وتشرب الرجس والله لهكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدعك حتى أحدك فجلده الحد وذكر أبو بكر قال حدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها فوجدت منه ريح شراب فقالت لئن لم تخرج إلى المسلمين فيحدونك ويطهرك ربك لا تدخل علي بيتي أبدا وذكر أبو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن الزبير أسأله عن الرجل يوجد منه ريح الشراب فقال إن كان مدمنا فأحدوه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت بن أبي مليكة مثله بمعناه وذكره وكيع عن محمد بن شريك عن بن أبي مليكة قال أتيت برجل يوجد منه ريح الخمر وأنا قاض على الطائف فأردت أن أضربه فقال إنما أكلت فاكهة فكتبت إلى بن الزبير فكتب إلي إن كان من الفاكهة ما يشبه ريح الخمر فادرأ عنه الحد قال أبو عمر ذكرت هذه الآثار عن السلف لنقف على أن ما ذكره بن قتيبة في كتاب الأشربة وذكرته طائفة من أصحاب أبي حنيفة انفرد برأيه في حد الذي يوجد منه ريح الخمر وأنه ليس له في ذلك سلف وهذا جهل واضح وتجاهل أو مكابرة قال أبو عمر أقوى ما احتج به من لم ير في ريح الشراب حدا لا من الفاكهة مثل التفاح والسفرجل وشبهها قد يوجد من أكلها رائحة تشبه ريح الخمر وتلك شبهة تمنع من إقامة الحد في الريح لأن الأصل أن ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين دون الشبهة والظنون قال أبو عمر حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن عمر رضي الله عنه هو في عبيد الله ابنه ولعبد الرحمن ابنه المعروف بأبي شحمة من بنيه قصة في شرب الخمر جلده فيها بمصر عمرو بن العاص ثم جلده عمر بعد والحديث بذلك عند الزهري عن سالم عن أبيه رواه معمر وبن جريج عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال شرب عبد الرحمن بن عمر بمصر خمرا قال كذا قال معمر وقال بن جريج شرابا مسكرا في فتية منهم أبو سروعة عقبة بن الحارث فحدهم عمرو بن العاص وبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمرو أن أبعث إلي بابني عبد الرحمن على قتب فلما قدم عليه جلده عمر بيده الحد قال بن عمر فزعم الناس أنه مات من ضرب عمر ولم يمت من ضربه قال أبو عمر جاء عن الشعبي عن يحيى بن أبي كثير وهو شيء منقطع أن عمر ضرب ابنه حدا فأتاه وهو يموت فقال يا أبتي قتلتني فقال له إذا لاقيت ربك فأخبره أن عمر يقيم الحدود وليس في هذا الخبر ما يقطع به على موته لو صح وحديث بن عمر أصح‏.‏

1561- مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين قال أبو عمر هذا حديث منقطع من رواية مالك وقد روي متصلا من حديث بن عباس ذكره الطحاوي في كتاب أحكام القرآن قال حدثني بهز بن سليمان قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني محمد بن فليج عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن بن عباس أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي وبالنعال وبالعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا يتوخى نحو ما كان يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال له لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله عز وجل فقال عمر في أي كتاب الله عز وجل وجدت لا أجلدك فقال إن الله عز وجل يقول في كتابه ‏(‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصلحت جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصلحت ثم‏)‏ ‏[‏المائدة 93‏]‏‏.‏

فأنا من الذين اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر ألا تردون عليه ما يقول فقال بن عباس إن هؤلاء الآيات نزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن يحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله عز وجل يقول ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون‏)‏ ‏[‏المائدة 90‏]‏‏.‏

ثم قرأ إلى قوله ‏(‏ فهل أنتم منتهون‏)‏ فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا إن الله عز وجل قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر صدقت من اتق اجتنب ما حرم الله تعالى عليه قال عمر فماذا ترون قال علي رضي الله عنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي قال شرب قوم من أهل الشام الخمرة وعليهم يزيد بن أبي سفيان وقالوا هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية ‏(‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصلحت جناح فيما طعموا‏)‏ ‏[‏المائدة 93‏]‏‏.‏

قال فكتب فيهم إلى عمر فكتب أن ابعث بهم إلى قبل أن يفسدوا من قبلك فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا يا أمير المؤمنين أن قد كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاضرب رقابهم وعلي ساكت فقال ما تقول يا أبا الحسن فيهم قال أرى أن تستتبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين وروى بن وهب وروح بن عبادة كلاهما قالا حدثني أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب حدثه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن رجلا من كلب أخبره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر رضي الله عنه يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقدمت عليه فقلت يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك قال في ما قلت إن الناس قد استخفوا العقوبة في الخمر وإنهم انهمكوا فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله وكان عنده علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ما ترون في ذلك ما ترى يا أبا الحسن فقال علي رضي الله عنه نرى يا أمير المؤمنين أن نجلد فيها ثمانين جلدة فإنه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فتابعه أصحابه فقبل ذلك عمر فكان خالد أول من جلد ثمانين ثم جلد عمر ناسا ثمانين وكان علي رضي الله عنه يقول في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة قال أبو عمر رأي علي ومن تابعه من الصحابة عند انهماك الناس في الخمر واستخفافهم العقوبة فيها أن يردعوهم عن ما حرم الله عز وجل عليهم ولم يجدوا في القرآن حدا أقل من حد القذف فقاسوه عليه وامتثلوه فيه وما فعلوه فسنة ماضية لقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وقوله اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر وللكلام في هذا المعنى موضع غير هذا‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في مبلغ الحد في شارب الخمر فالجمهور من علماء السلف والخلف على أن الحد في ذلك ثمانون جلدة فهذا قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وحجتهم اتفاق السلف على ما وصفنا قال أبو ثور وداود وأكثر أهل الظاهر الحد في الخمر أربعون جلدة على الحر والعبد‏.‏

وقال الشافعي أربعون على الحر وعلى العبد نصفها وذكر المزني عن الشافعي إن ضرب الإمام في الخمر أربعين فما دونها فمات المضروب فالحق قتله فإن زاد على الأربعين فمات فالدية على عاقلته قال أبو عمر الأصل في حد الخمر ما قدمنا ذكره في حديث ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس أنهم كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون في الخمر بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله ثم ضرب فيها أبو بكر أربعين عن مشورة منه في ذلك للصحابة لما انهمك الناس في شربها قال أبو عمر ثم زاد انهماكهم في شربها في زمن عمر فشاور الصحابة في الحد فيها فأشار علي بثمانين جلدة ولم يخالفوه فأمضى عمر ثمانين جلدة وما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم بن الحارث والزهري ومحمد بن مسلم بن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس قوموا إليه فقام إليه الناس فضربوه بنعالهم ذكره أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو سلمة ومحمد بن إبراهيم والزهري عن عبد الرحمن بن أزهر وروى معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر الصديق شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر فقدروه بأربعين جلدة وذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن زيد العمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين فجعل عمر مكان كل نعل سوطا قال‏.‏

وحدثني وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب في الخمر أربعين قال أبو عمر مسعر أحفظ عندهم وأثبت من المسعودي والحديث لأبي الصديق عن أبي سعيد والله أعلم على أن زيدا العمي ليس بالقوي وأثبت شيء في هذا الباب ما رواه عبد الله الداناج وهو عبد الله بن فيروز من ثقات أهل البصرة والداناج بالفارسية العالم بالعربية - عن أبي ساسان بن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه قال في حين جلد الوليد بن عقبة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة وإلى هذا ذهب الشافعي رحمة الله وله قول آخر مثل قول مالك وهما يحملان عنه جميعا ذكر حديث الداناج أبو بكر قال حدثني بن علية قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج فذكره‏.‏

وأما قول علي رضي الله عنه في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة فإن أهل العلم مجمعون من صدر الإسلام إلى اليوم أن الحد واجب في قليل الخمر وكثيرها إلا إذا كانت خمر عنب على من شرب شيئا منها فأقر به أو شهد عليه بأنه شربها لا يختلفون في ذلك وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ الحد على ما قدمنا ذكره وكذلك أجمعوا أن عصير العنب إذا غلا وأشتد وقذف بالزبد وأسكر الكثير منه أو القليل أنه الخمر المحرمة بالكتاب والسنة المجتمع عليها وأن مستحلها كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل هذا كله ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى وسائر العلماء واختلفوا في شارب المسكر من غير خمر العنب إذا لم يسكر فأهل الحجاز يرون المسكر حراما ويرون في قليله الحد كما في كثيره على من شربه وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة أهل الحجاز وأهل الحديث من أهل العراق‏.‏

وأما فقهاء العراق فجمهورهم لا يرون في المسكر على من شربه حدا إذا لم يسكر ولا يدعون ما عدا خمر العنب خمرا ويدعونه نبيذا وسنذكر الحجة لأهل الحجاز في قولهم هذا إذ هو الصحيح عندنا في هذا الباب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام‏.‏

وأما اختلاف العلماء في حد عصير العنب الذي إذا بلغه كان خمرا فاختلاف متقارب فنذكره هنا لتكمل فائدة الكتاب بذلك روى بن القاسم عن مالك أنه كان لا يعتبر الغليان في عصير العنب ولا يلتفت إليه ولا إلى ذهاب الثلثين في المطبوخ وقال أنا أحد كل من شرب شيئا من عصير العنب وإن قل إذا كان يسكر منه وهو قول الشافعي وقال الليث بن سعد لا بأس بشرب عصير العنب ما لم يغل ولا بأس بشرب مطبوخه إذا ذهب الثلثان وبقي الثلث وقال سفيان الثوري اشرب عصير العنب حتى يغلي وغليانه أن يقذف بالزبد فإذا غلى فهو خمر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر إلا أن أبا يوسف قال إذا غلى فهو خمر‏.‏

وقال أبو حنيفة لا بأس به ما لم يقذف بالزبد وقالوا إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ثم غلى بعد ذلك فلا بأس به لأنه قد خرج من الحال المكروهة الحرام إلى حال الحلال فسواء غلى بعد ذلك أو لم يغل‏.‏

وقال أحمد بن حنبل العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام فقد حرم إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم قال وكذلك النبيذ قال أبو عمر روينا عن سعيد بن المسيب أنه لا بأس بشرب العصير ما لم يزبد وإذا أزبد فهو حرام هذه رواية يزيد بن قسيط عنه وروى عنه قتادة اشربه ما لم يغل فإذا غلى فهو خمر وكذلك قال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وقال الحسن اشربه ما لم يتغير وقال سعيد بن جبير اشربه يوما وليلة وروى ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي وعن عطاء وبن سيرين والشعبي وعن عطاء أيضا اشربه ثلاثا ما لم يغل وقال بن عباس اشربه ما كان طريا وقال بن عمر اشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل له ومتى يأخذه شيطانه قال في ثلاث قال أبو عمر انعقد إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن عمر رضي الله عنه على الثمانين في حد الخمر ولا مخالف لهم منهم وعلى ذلك جماعة التابعين وجمهور فقهاء المسلمين والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على حرف واحد من السبعة الأحرف التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل القرآن عليها ومنعوا ما عدا مصحف عثمان منها وانعقد الإجماع على ذلك فلزمت الحجة به لقول الله عز وجل ‏(‏ويتبع غير سبيل المؤمنين‏)‏ ‏[‏النساء 115‏]‏‏.‏

وقال بن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عز وجل حسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي‏.‏

1562- مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا قال أبو عمر وإذا كان حدا ما لم يبلغ السلطان وقد ذكرنا الآثار في ذلك عن السلف من الصحابة ومن بعدهم في ما مضى من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا إن الله عز وجل عفو غفور يحب العفو عن أصحاب العثرات والزلات من ذوي السيئات دون المهاجرين المعروفين بفعل المنكرات والمداومة على ارتكاب الكبائر الموبقات فهؤلاء واجب ردعهم وزجرهم بالعقوبات وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه أقيلوا ذوي السيئات زلاتهم وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن منصور عن الحارث عن إبراهيم قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات قال أبو عمر هو الحارث بن يزيد أبو علي العكلي أحد الفقهاء الثقاة ومراسيل إبراهيم عندهم صحاح قال‏.‏

وحدثني وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال ادرؤوا الحدود القتل والجلد عن المسلمين ما استطعتم قال‏.‏

وحدثني وكيع عن يزيد بن زياد البصري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإذا وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ‏(‏باب ما ينهى أن ينبذ فيه‏)‏‏.‏

1564- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال فقيل لي نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت‏.‏

1565- مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر يكره النبيذ في الدباء والمزفت وقوفا عندما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب مالك رحمة الله روينا عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع قال قال لي بن عمر لا تشرب في دباء ولا مزفت وروى بن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء والمزفت ولا يكره غير ذلك قال أبو عمر قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والمزفت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن حديث أنس بن مالك ومن حديث سمرة بن جندب ومن حديث عائشة ومن حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي ذكرها بن أبي شيبة وغيره‏.‏

وقال الشافعي لا أكره من الأنبذة إذا لم يكن الشراب يسكر بعد ما سمى من الآثار من الحنتم والنقير والدباء والمزفت وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت من حديث بن عباس روي عنه من وجوه في حديث وفد عبد القيس وغيره ومن حديث بن عمر رواه وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن بن عمر ورواه مروان بن معاوية عن منصور بن حبان عن سعيد بن جبير قال أشهد على بن عباس وبن عمر أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير وروى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله والآثار بذلك كثيرة جدا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نبيذ الجر الأخضر من حديث أبي سعيد الخدري وغيره وهذا عندي كلام خرج على جواب السائل -والله أعلم- كأنه سأل عن المزفت فنهاه فقال فالجر الأخضر فقال لا تتنبذوا فيه فسمعه الراوي فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الجر الأخضر والدليل على ذلك أن عائشة وبن الزبير وعليا وأبا بردة وأبا هريرة وبن عمر وبن عباس رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الجر مطلقا لم يذكروا الأخضر ولا غيره 0 قال بن عباس حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر قال والجر كل ما يصنع من مدر قال أبو عمر هؤلاء لا يرون النبيذ في شيء من الأوعية إلا في شيء من الأسقية المتخذة من الجلود ولا أعلم خلافا بين السلف والخلف من العلماء في جواز الانتباذ في السقاء روى شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سألت بن عمر عن النبيذ فقلت إن لنا لغة غير لغتكم ففسر لنا بلغتنا فقال بن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة وهي المزفت وهو المقير وعن النقير وهي النخلة المنقورة بقرا وأمر عليه السلام أن ينتبذ في الأسقية‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالانتباذ في جميع الظروف والأواني وحجتهم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا رواه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى واسع بن حبان عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى أبو العالية وغيره عن عبد الله بن المغفل قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن نبيذ الجر وشدته عليه السلام حين أمر بالشرب منه وقال عليه السلام اجتنبوا كل مسكر وروى سماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن أبي بردة بن دثار قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية فاشربوا في ما بدا لكم ولا تشربوا مسكرا وقال شريك في هذا الحديث عن سماك بإسناده فاشربوا في ما بدا لكم ولا تسكروا ولم يقل ذلك غير شريك وروى خالد الحذاء عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما انصرف وفد عبد القيس قال النبي صلى الله عليه وسلم كل امرئ حسب نفسه لينبذ كل قوم في ما بدا لهم فهذا كله لأبي حنيفة ومن سلك سبيله في إباحة الانتباذ في كل ظرف ووعاء ويأتي القول في تحريم المسكر في باب تحريم الخمر من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل‏.‏